قصيدة ذم قسوة القلب
للإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله
أفِي دَارِ الخَــــرَابِ تَظلُّ تَبنِي * وتَعمُرُ؟ مَا لِعــُـــمرَانٍ خلقت!
وَمَا تَركَتْ لَكَ الأَيَّامُ عُــــــذرًا * لَقَد وَعَظَتْكَ لَكِــنْ مَا اتَّعَظتَ!
تُنادي للرَّحِيــــــــلِ بِكُلِّ حِينٍ * وَتُعلِنُ إنَّمَا المَقصُــــــودُ أنْتَ!
وتُسمِعُكَ النِّــــــدَاءَ وأنتَ لاَهٍ * عَـــنِ الدَّاعِي كأنَّكَ مَا سَمِعتَ!
وتَعلَمُ أنَّهُ سَفَرٌ بعيـــــــــــدٌ * وعَــــن إِعدَادِ زَادٍ قَد غَفَلتَ!
تَنَـــــــامُ وَطالِبُ الأيَّامِ سَاعٍ * ورَاءكَ لاَ يَنَامُ فَكيــــفَ نِمتَ!
مَعائِبُ هَــــــــذِهِ الدُّنيَا كَثِيرٌ * وأنتَ عَلَـــــى محبَّتِهَا طُبِعتَ!
يَضِيعُ العُمرُ فِـي لَعِبٍ وَلهوٍ * وَ لَـــو أُعطِيتَ عَقـــلاً مَا لَعِبتَ!
فمَا بَعـدَ الممَاتِ سِوَى جَحِيمٍ * لِعــــاصٍ أو نَعِيمٍ إِن أَطعتَ!
ولستَ بآمِـــــــــــلٍ ردًّا لِدُنيَا * فَتعمـلُ صَالِحًا فِيمَـــا تَركتَ!
وأوَّلُ مَــن ألُومُ اليَومَ نفسِي * فَقَـــد فَعَلتْ نَظَائِرَ مَا فَعلتَ!
أيَا نفسِيَ أَخوضًا فِـي المَعاصِي * وَبعـدَ الأربَعِينَ وغِبَّ سِتَّ!
وَأرجُــو أَن يَطُولَ العُمــرُ حَتَّى * أَرى زَادَ الرَّحِيــلِ وقَد تأتَّى!
أيَـا غُصنَ الشَّبابِ تَمِيـلُ زَهوًا * كأنَّكَ قَد مَضَى زَمنٌ وعِشتَ!
عَلِمتَ فَدَعْ سَبِيلَ الجَهلِ واحذَرْ*وَصحِّحْ قَدعَلِمتَ ومَاعَمِلْتَ!
وَيَا مَـــن يَجمعُ الأَموالَ قُلْ لِي * أَيَمنَعُكَ الرَّدَى مَا قَد جَمَعتَ!
وَيَا مَــــــــن يَبتَغِي أَمرًا مُطَاعًا * يُسمَعُ نَافِذٌ مَـــن قَد أَمَرتَ!
أَجَجْتَ إلَــــــى الوِلاَيَةِ لاَ تُبَالِي * أَجِرْتَ عَلَى البرِيَّةِ أَم عدَلتَ!
ألاَ تَدرِي بأنَّكَ يَـــومَ صَارَتْ * إِلَيكَ بِغَيـــــــــرِ سِكِّينٍ ذُبِحتَ!
ولَيسَ يَقُـــومُ فَرحةُ قَد تَولَّى * بِتَرحةِ يَـــومَ تَسمعُ قَد عُزِلتَ!
وَلاَ تُهمِـــــلْ فَإنَّ الوَقتَ يَسرِي * فإنْ لَــم تَغتَنِمهُ فَقَد أَضَعتَ!
تَــــرَى الأيَّامَ تُبلِي كُلَّ غُصنٍ * وَتَطوِي مــن سُرُورِكَ مَا نَشَرْتَ!
وَتَعلَـــــــــمُ إنَّمَا الدُّنيَا مَنامٌ * فَأحلَى مَا تَكُـــونُ إذَا انتبَهتَ!
فَكَيفَ تصدُّ عَــن تَحصِيلِ بَاقٍ * وَبِالفَانِــــي وزُخرُفِهِ شُغِلتَ!
هِــــيَ الدُّنيَا إذَا سَرَّتكَ يَومًا * تسُؤْكَ ضِعـــفَ مَا فِيهَا سُرِرتَ!
تَغُـــرُّكَ كالسَّرابِ فأنتَ تَسرِي * إليــــهِ ولَيسَ تَشعُرُ إن غُرِرتَ!
وَأشهدُ كَـــم أبادَتْ مِن حَبِيبٍ * كأنَّكَ آمٍــــــــنٌ مِمَّنْ شَهِدتَ!
وَتدْفِنُهُم وَتـــرجِعُ ذَا سُرُورٍ * بِمَا قَــــــد نِلتَ مِن إِرثٍ وَحَرثَ!
وتَنسَاهُمْ وأنتَ غَــدًا سَتَفنَى * كأنَّكَ مَا خُلِــــقتَ ولاَ وُجِدت!
تُحدِّثُ عَنهُـــمُ وَتقُولُ كَانُوا * نَعــــــمْ كَانُوا كَمَا واللهِ كُنتَ!
حَدِيثُكَ همُ وأنتَ غدًا حَدِيثٌ * لِغَيرِهِمُ فَأحسِن مَا استطَعتَ!
يَعُــودُ المرءُ بَعدَ الموتِ ذِكرًا * فَكُن حَسَن الحَدِيثِ إذَا ذُكِرتَ!
سلِ الأيَـــامَ عَن عَمٍّ وخالٍ * وَمَالَكَ والسُّؤالُ؟! وقَــــد عَلِمتَ!
ألَستَ تَــــرى دِيارَهُمُ خَوَاءٌ * فَقَــــــد أنكَرْتَ منهَا مَا عرفتَ!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق